انطلاق «البنوك التشاركية» في المغرب..وتوقعات باستقطابها 35% من المواطنين

في عرب

استأثر موضوع «البنوك التشاركية» في السنوات الأخيرة، بحيّز معتبَر ضمن خريطة النقاش الاقتصادي في المغرب، مُحدِثاً بذلك جدلاً واسعًا بدءًا من إشكالية التسمية وصولاً إلى الانعكاسات المتوقعة على التعاملات المالية، ومروراً بالمساهمة الممكنة لهذا «الوافد الاقتصادي الجديد» في تنشيط عجلة الاقتصاد المغربي وتسريع وتيرة النمو وخلق فرص استثمارية جديدة.
وقد تجدّد الجدل مؤخراً بالتزامن مع شروع أول مصرف تشاركي في العمل بداية الأسبوع المنصرم، وإن بدا يخبو تدريجياً في ظل تفاؤل حذِر من طرف الخبراء، كما المهنيّين، حول مستقبل هذا النوع من البنوك بالمغرب ومدى إقبال الزبائن المغاربة على خدماتها.
مخاض عسير ذلك الذي شهده ميلاد القانون المنظّم للبنوك التشاركية بالمغرب، تُوّج بالمصادقة النهائية عليه نهاية سنة 2014، حيث خضع القانون المقترح من الحكومة بهذا الخصوص (قانون مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حُكمها) بداية 2014 إلى نقاش حاد وطويل في البرلمان المغربي امتدّ إلى قرابة سنة كاملة بين مجلس النواب ومجلس المستشارين (الغرفة الثانية بالبرلمان المغربي)، حيث لم تتم المصادقة عليه إلاّ نهاية 2014. بيد أن مصادقة وزارة الاقتصاد والمالية المغربية تأخّرت إلى أن صادقت شهر آذار/ مارس الماضي على ستة قرارات تخصّ تنظيم عمل «البنوك الإسلامية»، تم نشرها باسم البنك المركزي المغربي في الجريدة الرسمية للمملكة، بينها قرار يخصّ خمس طرق للتعامل المالي كما هي معروفة في الاقتصاد والمالية الإسلاميين، وهي: المرابحة والإجارة والمشاركة والمضاربة والسلم.
وفي لقاء مع لـ «القدس العربي»، عزا عبد السلام بلاجي، رئيس «الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي»، ما شهده قانون البنوك التشاركية من تأخّر في التنزيل الواقعي، إلى «الإجراءات التقنية التي يمر بها أي قانون، والتي لا تعدو أن تكون مجرد استعدادات لتمهيد الطريق أمام شروع هذا النوع من البنوك في العمل»، مشيراً إلى أن «بنك المغرب (المركزي) منح أربع تراخيص تم نشرها بالجريدة الرسمية من أجل إنشاء مؤسسات بنكية تشاركية بالمغرب، تعتبر «أمنية بنك» التي بدأت في العمل بدءً من الأسبوع الماضي إحداها فقط».
وسبق لـ«بنك المغرب» (البنك المركزي) أن أعلن، في الثاني من كانون الثاني/ يناير 2017، موافقته على منح تراخيص للبنوك التشاركية لخمس مؤسسات مغربية قصد تقديم منتجات بنكية تشاركية لزبائنها؛ ليكون بذلك «أُمنية بنك» Umnia Bank الذي يُعتبر ثمرة شراكة بين بنك «القرض العقاري والسياحي» المغربي (CIH)، و«بنك قطر الدولي الإسلامي» (QIIB)، أول مؤسسة بنكية مغربية تحصل على الاعتماد النهائي للعمل من طرف البنك المركزي في المغرب، وتدشّن الاشتغال فعلياً عبر افتتاح ثلاث وكالات بنكية في كل من الدار البيضاء والرباط، مع اقتراب إعلان افتتاح حوالي 17 وكالة أخرى لتوسيع شبكة تغطيته لمجموع التراب المغربي.
البنك التشاركي الأول من نوعه في المغرب أكّد، في بيان صحافي صادر عنه بداية الأسبوع الماضي، أنه يستند «على خبرة وتجربة شركاء متميزين من أجل توفير خدمات بنكية شاملة تليق بتطلعات زبائنه وتُلبي جميع متطلباتهم»، فيما أعلن أنه يسعى للتفوق في مجال التمويل التشاركي في المغرب، وذلك بالعمل على «تطبيق استراتيجية تتمحور حول توافق معاملته، ونوعية العلاقات مع الزبائن، إضافة إلى تطوير منتجات وخدمات مبتكرة». كما شدد «أمنية بنك»، في البيان ذاته، على حرصه لتقديم منتجات تشمل «الخدمات المصرفية اليومية، والتمويل، والاستثمار، مرورا بالإيداع، والادّخار»، مع اعتماد التكنولوجيا المعلوماتية والرقمية.
ولأجل مواكبة هذه البنوك، أحدث المغرب «لجنة شرعية للمالية التشاركية» (تابعة للمجلس العلمي الأعلى) عُهِدَ إليها بتحديد الفتاوى الخاصة بالتعامل المالي التشاركي، كما أنها تسهر على مطابقة القوانين المنظمة لهذا النوع من المعاملات المالية لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها.

بنوك «تشاركية» أم «إسلامية»؟

الجدل حول «الوافد الاقتصادي» الجديد في المغرب لم يقتصر على الصعيد القانوني التشريعي فقط، بل ومنذ إعلان الحكومة المغربية السابقة (برئاسة عبد الإله بن كيران) نيتها إخراج قوانين منظمة للتعامل المالي التشاركي في المغرب، احتدم النقاش وكثرت الأسئلة حول طبيعة هذه البنوك وماهيتها.
يعرّف رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي «البنوك التشاركية» على أنها «بنوك ذات شخصية معنوية تعمل مثلها مثل البنوك العادية، شريطة أن لا تتعامل بالفائدة أخذاً أو عطاء أو هما معًا»، مضيفاً أن القانون البنكي المغربي يحرّم على هذه البنوك في مادته الـ52، التعامل بالفائدة، فيما يبيح لها أن تأخذ الودائع وتعطي بطاقة السحب وتقوم بصرف العملات.
ويسجّل أن هذا النوع من البنوك تُسمى في دول عربية أخرى بـ«البنوك أو المصارف الإسلامية»، إلا أن القانون المغربي أطلق اسم «البنوك التشاركية» عليها، رغم أنها تجد مرجعيتها الشرعية في أحكام الشريعة الإسلامية، حسب بلاجي؛ وهو ما رأى فيه رئيس الجمعية المغربية للاقتصاد الإسلامي «إبعاداً موفّقاً للإسلام عن معاملات المال والتجارة وتنافسية الاقتصاد»، معتبراً إياها مجرّد «اجتهاد بشري في مجال المال والاقتصاد قد يُصيب وقد يخطئ».
ورغم أن القانون المحدِث للبنوك التشاركية بالمغرب نصّ على ضرورة مطابقة معاملات هذا النوع من البنوك لأحكام الشريعة الإسلامية ومقاصدها من خلال إنشاء لجنة شرعية، إلاّ أن بلاجي أبدى رفضه التام لوصفها بـ«الإسلامية»، مضيفاً أنه «مجرد تســـويق باسم الدين أُعطيَ لتعاملات تجارية محضة».

تفاؤل حذر

حسب معطيات للبنك المركزي في المغرب، فمن المرتقب أن تستقطب «البنوك التشاركية» نسبة 35 في المائة من المواطنين المغاربة غير المنخرطين في البنوك «العادية»، وهو التوقع ذاته الذي ذهَب إليه عبد السلام بلاجي في تصريحه لـ«القدس العربي»، بالنظر إلى «الاهتمام والطلب الشعبي المتزايد الذي سبَق ظهور البنوك التشاركية بالمغرب»، مُنوّهاً بـ«الدينامية المؤسَّساتية والجهود المبذولة، من طرف كل من الحكومة والبرلمان وبنك المغرب والمجلس العلمي الأعلى فضلا عن البنوك ومؤسسات التكوين الجامعي، لتوفير شروط نجاح تجربة البنوك التشاركية بالمغرب».
وأبرز نجيب أقصبي، الخبير الاقتصادي المغربي، أن «الحديث عن نجاح أو فشل تجربة البنوك التشاركية يظل رهيناً بالنتائج التي ستحققها على مستوى رفع نسبة الادّخار الوطني للأسر المغربية، خاصة تلك التي لا تدَّخرُ أموالها في البنوك الموجودة حالياً لاعتبارات دينية أو غيرها»، مشدداً على أن «تقييم التجربة سابق لأوانه ويحتاج إلى سنة على الأقل لمعاينة المؤشرات الواقعية الدالة على ذلك».
وأضاف في تصريح لـ «القدس العربي»، أنه «إذا كانت هناك من قيمة إضافية للبنوك التشاركية بالمغرب فستتمثل في إمكانية هذه الأخيرة، وفي توافق تام مع رغبات الزبائن، تحريك جزء مهم وغير محتسَب من الادخار الوطني غير موظّف في القنوات البنكية الكلاسيكية».
وربط أيضاً نسبة الإقبال المتوقعة على خدمات البنوك التشاركية بطبيعة تلبية هذه الأخيرة لرغبات نوع معين من الزبائن المغاربة الذين لا يدّخرون أموالهم في البنوك العادية، واصفاً في هذا الصدد البنوك التشاركية بمثابة «امتحان أوّلي يلزمه وقت كافٍ» لقياس مدى تجاوب الزبون المغربي مع هذا النوع من التعاملات المالية الجديدة، التي اعتبرها الخبير الاقتصادي ذاته بأنها «منظومة متعددة ومتكاملة الآليات في طور بناء أوراش جديدة لاشتغالها مثل الائتمان التكافلي».

المواضيع المرتبطة

الرئيس السيسي خلال كلمته في عيد العمال: سنظل متمسكين بالحفاظ على حقوق عمال مصر

وجه الرئيس عبد الفتاح السيسى، بزيادة قيمة الحد الأدنى للإعانة التي يصرفها صندوق إعانات الطوارئ للعمال من مبلغ 600

أكمل القراءة …

وزير التعليم يعلن إجراءات تعليم النشء والطلاب البرمجة

أعلن الدكتور رضا حجازى وزير التربية والتعليم والدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مجموعة من الإجراءات المهمة فى

أكمل القراءة …
"الوزراء" يصدر قرارا بتشكيل وتنظيم عمل مجلس إدارة هيئة المتحف القومي للحضارة المصرية

مجلس الوزراء يوافق على7 قرارات باجتماعه الأسبوعي.. تعرف عليهم

وافق مجلس الوزراء خلال اجتماعه اليوم برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي، على عدة قرارات:

أكمل القراءة …

قائمة الموبايل