بالطبع لا يخفى عن القارئ حالة التوتر السائدة بين مصر وتركيا منذ فترة ، حيث تتباين مواقف كل منهما إزاء عدد من القضايا الإقليمية، مثل الأزمة في ليبيا ومكافحة “الإرهاب” والتنقيب عن الغاز في البحر المتوسط.
إلا أنه مؤخرًا ، نجد أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان غيّر من لهجته حيال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وأظهر تحولاً كبيراً في موقفه من مصر معبرا عن مدى قوة العلاقات التركية المصرية حينما وجد نفسه في وجه المدفع، ولم يجد من يعاونه في قضية شرق المتوسط.
حيث صرح الرئيس التركي رجب طيب اردوغان: ” إنه لا مانع من اجراء محادثات استخباراتية مع مصر، لكن اتفاقها مع اليونان أحزننا “، فى حين صرح ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية التركي: ” لابد أن يكون هناك تواصل بالفعل بغض النظر عن أي خلافات سياسية قائمة بين الرئيس أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فالحكومتان والشعبان يجب أن يتقاربا ” .
هذا بالإضافة إلى تصريح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو خلال مقابلة مع تلفزيون محلي، حيث قال : ” مصر لم تنتهك في أي وقت الجرف القاري لتركيا في اتفاقيتها التي أبرمتها مع اليونان وقبرص بخصوص مناطق الصلاحية البحرية ، لقد احترمت مصر حقوقنا في هذا الصدد، ومن ثم لا أريد أن أبخسها حقها بدعوى أن العلاقات السياسية بيننا ليست جيدة للغاية ” .
فضلا عن تصريحات المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن معبرا عن رغبة أنقرة في إعادة العلاقات مع مصر، حيث قال : ” في حال أظهرت مصر إرادة التحرك بأجندة إيجابية في القضايا الإقليمية فإن تركيا مستعدة للتجاوب مع ذلك ، فمصر من الدول الهامة في المنطقة والعالم العربي، وفي حال تشكلت أرضية للتحرك معا في مواضيع ليبيا وفلسطين وشرق المتوسط وغيرها من القضايا، فإن تركيا لا يمكنها، إلا أن تنظر بإيجابية إلى ذلك وتقدم إسهاما إيجابيا ” .
فكيف تفسر هذه اللهجة الهادئة إزاء مصر، على الرغم من عدم تغير الظروف المسببة لحالة التوتر بين البلدين وثبات مواقف تركيا ؟!
فعلى الصعيدين نجد أن مصر ما زالت ضد الإرهاب التكفيري ، بينما تركيا ما زالت تدعم جماعة الإخوان وتتحالف مع قطر، ومصر ما زالت مع السعودية والإمارات والبحرين، فى حين أن تركيا ما زالت تدعم حكومة السراج والميليشيات (في ليبيا)، ومصر ما زالت تدعم الجيش والبرلمان الشرعي، و تركيا وقطر تدفعان إثيوبيا لتعقيد ملف مياه النيلفى ، ومصر والسودان تقاومان هذا المخطط الشرير.
فما سر التغير المفاجئ فى موقف تركيا تجاه مصر ؟ هل بسبب خشيتها خسارة المزيد من القنوات السياسية في المنطقة وزيادة عزلتها ، أم بسبب أنها تواجه ورطة اقتصادية شديدة جدا، لذلك تحاول فتح مجال للحوار مع مصر، ولكن فى ذات الوقت دون التفريط في وعودها للإخوان بإيواء أتباعهم !
وعلى الرغم من محاولات تركيا الأخيرة لتهدئة الأوضاع مع مصر ، الا أن وزارة الخارجية المصرية أبدت تحفظا على المبادرة التركية، وقالت في بيان إن نهج تركيا يفتقر إلى المصداقية ، وشددت مصر على أن خطواتها في هذا السياق لا تأتي بشكل منفرد، ورهنت أي تقارب مع أنقرة بالتنسيق مع دول الرباعي العربي الداعية لمكافحة الإرهاب.