الدعم مغارة لا يجرؤ أحد على اقتحامها ​

في مقالات

في عام 1968 قرر جمال عبد الناصر أن يخفض الدعم المقدم علي بعض السلع الغذائية وعلي الكيروسين بمقدار تعريفة، وهو مقدار ضئيل مقارنة بالدعم المقدم حينها،  وبالنظر إلي وضع مصر الاقتصادي نتيجة الحرب مع اسرائيل، إلا أن هذا القرار قوبل بالرفض التام من المواطنين بكافة فئاتهم وخرجت الجماهير منددة بهذا القرار وثائرة في وجه عبد الناصر.

والغريب في الأمر أن هذه الجماهير التي لم تطق هذه الزيادة الطفيفة في الأسعار هي ذاتها الجماهير التي نزلت للشوارع قبلها بعدة أشهر تطالب عبد الناصر بالعدول عن قرار التنحي عن الرئاسة، فهل نسي الشعب المصري حبهم لعبد الناصر أم أن الدعم كان بمثابة خط أحمر حينها؟ الحقيقة أنه لا يمكن الإجابة علي هذا السؤال في 1968 ولكن يمكن التعرف بسهولة علي الإجابة من خلال ما تلي ذلك من أحداث.

​تراجع عبد الناصر عن قراره وأعاد الدعم لسابق عهده ولم يتعرض مطلقاً للدعم مرة أخري حتي توفاه الله، وبعد تولي السادات للحكم واتباعة لسياسة الانفتاح قرر عام 1977 خفض الدعم المقدم علي بعض السلع ومن ضمنها منتجات الطاقة، ورغم أن قبل اتخاذه لهذا القرار بأيام قد أقر علاوة اجتماعية تصرف في يناير 1977 إلا أن هذه العلاوة لم تشفع له أمام المواطنين الغاضبين من المساس بالدعم، فاندلعت المظاهرات بالشوارع إلا أن هذه المظاهرات كانت أكثر حدة من سابقتها في 1968 وراح ضحيتها العشرات من القتلي ومئات المصابين للحد الذي دفع السادات لإعلان حظر التجول ونشر عناصر الجيش في الشارع والتراجع عن قرار خفض الدعم متهماً مراكز القوي والمتكسبين من الدعم بإثارة هذه المظاهرات التي أطلق عليها (انتفاضة الحرامية).

ولم يتعرض السادات مطلقاً للدعم بعد هذه المحاولة. عندما تولي مبارك رئاسة مصر كان قد وعي الدرس جيداً ولم يفكر مطلقاً في المساس بالدعم إلي الحد الذي جعله يوافق علي كل شروط صندوق النقد الدولي الخاصة ببرنامج الإصلاح ومنها الخصخصة ماعدا المساس بالدعم واستمر في تقديم الدعم مع تحمل عجز الموازنة طالما أنه يمثل مشاكل مستقبليه وطالما الشارع مستقر، إلا أن هذا الأمر أدي لتفاقم عجز الموازنة وتفاقم عجز ميزان المدفوعات الناتج عن زيادة الواردات البترولية سنوياً، واستمر الوضع كما هو حتي يناير 2011.

​بعد يناير 2011 اتسمت السياسة الاقتصادية بالتخبط الشديد إلي الحد الذي أدي لتتابع 6 وزارات كاملة علي مصر في فترة لا تتجاوز عامين ونصف وكان من المتوقع ألا تتعرض أي منهم لملف الدعم نظراً للظروف السياسية السائدة، حيث ظل ملف الدعم كما هو لا يجرؤ أحد حتي علي التحدث فيه، فالكل يغض نظره عن مشاكل الدعم في مصر ولا يتحدث سوي عن استمرار الدولة في دعم الفقراء ومحدودي الدخل علي أساس أن الدعم يصل فعلاً للفقراء ومحدودي الدخل وهو ما لا يمت للواقع بأي صلة، وفي يوليو 2014 تولي السيسي رئاسة مصر في ظروف أشد خطورة من 2011 إلا أنه فعل ما لم يكن متوقع علي الإطلاق.

​بعد أيام من تولي السيسي رئاسة مصر قرر رفع الدعم جزئياً عن منتجات الاقة في خطوة مفاجئة راهن الكثير علي فشلها وراهن هو علي شعب مصر، والحقيقة أنه كسب الرهان ضد الدعم لأول مرة في تاريخ مصر الحديث فلم تشفع محبة المواطنين لعبدالناصر ولم يردعهم الخوف من التنكيل بهم، كما لم تشفع شعبية السادات الرجل الذي أعاد لنا أرضنا سالمة في التخفيف من غضب المواطنين ورغم بقاء مبارك لمدة طويلة في السلطة إلا أنه لم يفكر يوماً في المساس بالدعم خوفاً ما يمثله الاقتراب من الدعم من ذكريات غير مطمئنة لأي حاكم في مصر، فما الذي دفع السيسي لمثل هذا القرار؟ أو بمعني أخر من أين اكتسب هذه الثقة في رد فعل الشارع؟ ألم يكن من الأسهل التغاضي عن هذا الأمر حتي تمر فترته وحتي مع استمراره لفترة أخري كان يمكن الاستمرار في تقديم الدعم تاركاً ميراثاً ثقيلاً لمن يخلفه؟.

​الحقيقة أن البحث عن إجابات هذه الأسئلة يدفع للتفكير في رغبة هذا الرجل في حل المشاكل التي تواجهها مصر حلاً جذرياً وليس إتباع سياسة المسكنات التي تخفي الأعراض ولا تعالج أصل المشكلة، فهذا الرجل الذي اتخذ قرار برفع الأسعار بعد أيام من توليه الحكم اتخذ نفس القرار مرة أخري مع ارتفاع سعر الدولار وهو الذي اتخذ القرار مرة ثالثة وقبل سنة واحدة من انتخابات الرئاسة، إذا وضعنا تلك الاعتبارات أمام أعيننا نصل لحقيقة واضحة جلية، أن الرجل الذي يأخذ مثل هذه القرارات ويقتحم المغارة المظلمة للدعم دون التفكير في مكاسب سياسية أو شعبية زائفة أو استقرار وهمي علي حساب أبناء وأحفاد وطننا هو شخص يعي جيداً حجم مشاكل الوطن ويخوضها كاشفاً عن ساعديه واضعاً مصلحة شعبه وبلده ورضاء ربه نصب عينيه وما غير ذلك وراء ظهرها

المواضيع المرتبطة

منظمة دولية: إسرائيل تحاول إخفاء “أدلة” تورطها في الإبادة الجماعية بقطاع غزة

أكد المستشار بمنظمة “القانون من أجل فلسطين” الدكتور ليكس تاكنبرج، أن إسرائيل “تحاول إخفاء أدلة تورطها”، فى الإبادة الجماعية

أكمل القراءة …

“السقا” يكشف مفاجأة لأول مرة عن أختة و حقيقة انفصاله عن مها الصغير

حل الفنان أحمد السقا ضيفًا على برنامج “أسرار النجوم” تقديم إنجي علي ويعرض على إذاعة “نجوم إف إم”. وتكلم

أكمل القراءة …

وزارة الأوقاف تطرح شقق سكنية بأسعار رخيصة.. تعرف على الشروط

قامت وزارة الأوقاف بطرح شقق سكنية لعام 2024، وحددت عدد من الشروط والأوراق المطلوبة لحجز وحدة، إذ تستمر عمليات

أكمل القراءة …

قائمة الموبايل