مارينا عزت
حالة من الخوف والذعرتجتاح أروقه الجدران في تلك الفترة، حيرة.. اعتادت عليها جماعة الإخوان المسلمين في كل مرة تحسم أمر من أمورها، فالشورى في الأمر دائما ما تكون للجماعة فيما بينها، ولكن.. يظل قانون السمع والطاعة هو القانون الأول ومن يخالفه يضر بالصالح العام، ويستقر به المطاف إلى الإنشقاق أو يجوز لجماعة الأخوان فصله بغض النظر عن طول المدة أو قصرها التي يقضيها الفرد داخل الجماعة، وبصرف النظر عن إلتزام هذا الفرد بتعاليم حسن البنا وسيد قطب، فليس من الضروري أن يلتزم بمبادئ الدين قدر إلتزامه بمبدأ السمع والطاعة.
حدث الإنشقاق الأول بين جماعة الإخوان وحسن البنا، في قضية السفر إلى الأراضي الفلسطينية للجهاد، فالبعض كان يرى ضرورة السفر لأخذ حق الشعب الفلسطيني من العدو الصهيوني، والبعض الآخر كان لا يحبذ ذلك وفضًل موقف الحياد، وتوالت الإنشقاقات فعندما أمم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قناة السويس، كانت الجماعة رافضة كل الرفض هذا الموقف، وعندما أعلن حسن البنا قبوله لتبرع من قناة السويس أخذت جماعة شباب محمد – التابعة للأخوان المسلمين آنذاك – موقف الرفض، وأعلنت انشقاقها عن الجماعة. عدم رضاء البعض عن مبدأ السمع والطاعة – رغم قبولهم به في بادئ الأمر- جعلهم في حيرة من الإلتزام به والسير عليه، وما بين التمرد وقول كلمة “لانطيع ولا نسمع” ، ليحدث الإنشقاق الثاني بين الجماعة وأعضائها، بسبب اعتقاد البعض أن الجماعة انحرفت عن هدفها الأساسي وهو مواجهة الإحتلال البريطاني في مطلع الخمسينيات، وأخذ الإخوان يعترضون خفية على قائدهم حسن الهضيبي، وينفصلون عنه إلى أن سنحت لهم الفرصة في التمرد وإعلان العصيان العلني.
تاريخ طويل من عدم الإلتزام بالسمع والطاعة لأجل المصلحة الخاصة، ففي العهد الحديث للجماعة، أي منذ فترة قريبة شهدت الجماعة تمردًا وانقسامًا بين صفوفها، وكانت الأزمة الأولى في عهد حكم المجلس العسكري في مصر، وانفصال بعض أعضاء الجماعة عنها لرفضهم تحقيق إتفاق سياسي وتفاوض مع الحاكم المصري، وإنفصال البعض الآخر لعدم قبولهم تأسيس حزب يتحدث باسم الجماعة في مصر. وفي منتصف 2011 استقال ابراهيم الزعفراني الذي خدم الجماعة ما يقرب من 45 عامًا، وكان سبب الإستقالة أنه لم يري تغيير حقيقي بعد ثورة 25 يناير، ومنذ تلك الفترة وبعد مرور 6 سنوات، تصدر جماعة الإخوان المسلمين وثيقة سرية، تنص أحد بنود هذه الوثيقة على التخلى عن المعزول محمد مرسي، وعدم الحديث عنه مرة آخرى، ومحاولة خلق نوع من الإصطفاف فيما بينهم وبين القوى السياسية الآخرى في مصر، ولا يجد أعضاء جماعة الإخوان سوى السمع والطاعة، غير أن البعض سُيتهم بمواقفه المعاديه تجاه الجماعة وستعلن الجماعة انشقاقه عنها.
وعلى المستوى العربي، فقد تخلت حركة حماس الفلسطينية، أحد أذرع جماعة الأخوان المسلمين على مستوى العالم عن الجماعة، وتعتبر الحركة من أحد أبرز الداعمين للجماعة لسنوات طويلة، ولكنها رأت أن جماعة الأخوان أصبحت عبئًا ثقيلًا تريد التخلص منه خاصة بعد العقوبات المادية والسياسية التي فرضتها مصر على من يتبع الجماعة، لتعود حماس مرة آخرى إلى المشهد السياسي، برضاء الدولة المصرية عنها، ولا حل سوى إعلان حماس الإنشقاق عن جماعة الأخوان والتخلى عنها
. تاريخ من الانفصالات بين جماعة الإخوان والتابعين لها، وبكونها الجماعة السياسية الأكثر تنظيمًا وتخطيطًا، فهي تعرف ما تفعله جيدًا، وفي أي توقيت يمكنها تنفيذ ما تطمح إليه، والهدف في النهاية هو مصلحة الجماعة، بصرف النظر عن ورقة أو كتاب يحمل مبادئ، أو تعاليم قادة الإخوان التي ُتورث فيما بينهم منذ أكثر من 80 عامًا، ليبقى مبدأ تغيير “المبدأ” هو السائد.
