مارينا عزت
“اجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وتسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين، وأما فترة ما بعد الحرب فقد تضافرت فيها عوامل الفساد، وتآمر الخونة على الجيش”.. بهذه الكلمات بدأ الرئيس الراحل جمال عبد الناصر فترة جديدة من حياته، وسطر التاريخ منذ تلك الكلمات نهاية الحكم الملكي في مصر، وخاصة بعد مغادرة الملك فاروق البلاد، فبعد أن تولى “عبد الناصر” قيادة الضباط الأحرار للقيام بثورة يوليو 1952 شاءت الأقدار أن تحوله من ضابط إلى حاكم لمصر في سن 36 عامًا بعد عزل الرئيس الأول محمد نجيب.
عُرفت مصر بأنها الأولى منذ فجر التاريخ، ليس فقط في أنظمة الحكم، بل في كل المجالات أثبت المصري نفسه، وتهافت العالم للتعلم منه، حتى أصبح نبراسًا وشرارة تنير دروب كل من أراد معرفة شئ جديد، ففي الصناعة شهدت مصر نهضة صناعية كبرى في القرن التاسع عشر على يد محمد علي الذي شهد عصره إرساء قاعدة صناعية، شملت العديد من الصناعات المتخصصة وأصبحت مصر رائدة فيها كصناعة المنسوجات وصناعة السكر وعصرَ الزيوت ومضارب الأرز، كما ازدهرت الصناعات الحربية وأقيمت ترسانة لصناعات السفن ومصانع لتحضير المواد الكيماوية إلى أن أصبحت مصر الرائد الأول في التصنيع والصادرات على مستوى العالم.
وفي الزراعة، التي هي أساس الحضارة المصرية القديمة، عمل المصري على التقدم والتنمية عن طريق الاجتهاد في زراعة نباتات جديدة ومختلفة، ولأن مصر هي بلد الزراعة في المقام الأول، فكانت الرائدة في زراعة أصناف كثيرة من النباتات والخضراوات والمحاصيل الزيتية، كما عرف المصري حب باقات الزهور والثمار وهو أول من قام بزراعة ثمرة الحب، وزخرف بها أرضيات القصور والمباني، ليعلم العالم أجمع مفهوم السلام ويرسخ لمفهوم نبذ العنف.
المصري فنان بطبعه، وكأن الفن فطرة خلقها الله في وجدانه ليعلمها إلى العالم ويرسم بها لوحة خالدة وهي الحضارة المصرية، فنجد فناً قوياً ناضجاً من أرقى الفنون في الدول الحديثة، ويمكننا أن نصفه بحد الكمال، ومن هذه الفنون ريادة مصر في فن العمارة، وتزيين المقابر والنقوش على المعابد، والإبداع في زخرفة المساكن بالخشب ، وبطرق بسيطة تبهر فنانين العالم حتى الآن.. وفي التجارة والمرور، مصر هي النهضة التجارية الأولى في العالم، ونهر النيل هو شريان للنقل والانتقال، ليس فقط البضائع والسلع، وأنما الأفكار والعادات والتقاليد، والجدير بالذكر أن أول الأسواق ظهرت في مصر في المدن والقرى فهي الرائد في حركة التجارة الداخلية، كما أرسل القدماء المصريين البعثات لتبادل السلع والثقافات حول العالم مما جعل مصر منبرًا للتأثير والتأثر