يعتبر مصطلح الاقتصاد الإبداعى من المصطلحات الجديدة نسبياً فى حقول المعرفة وبالرغم من ذلك فهو الأكثر شيوعاً واستخداماً فى هذه الأيام داخل الأوساط الدولية ، حيث يعرفه تقرير الأمم المتحدة لعام 2008 على أنه هو ” دورات خلق وإنتاج وتوزيع السلع والخدمات التى تستخدم الإبداع ورأس المال الفكرى والمدخلات الأولية وتشكل مجموعة من الأنشطة القائمة على المعرفة والتى تحتمل توليد عائدات من التجارة وحقوق الملكية الفكرية بما تقدمه من منتجات مادية وغير مادية ” ، وبناءاً عليه فإن جوهر الإقتصاد الإبداعى منبعه الموروث الثقافى بما يشمله من تنوع فى الخصوصيات الدينية والمادية والفكرية والعاطفية وأنماط الحياة ونظم القيم والتقاليد والمعتقدات .
مصرى الأصل والهوية ..
وفى الواقع وبعيداً عن التنظير فإن هذا المفهوم ليس بجديد على مصر فالحرفة – جزء رئيسى من الإقتصاد الإبداعى – كانت وما زالت أساساً للأنشطة الإقتصادية اليومية للمصريين ، والإبداع أسلوب للحياة نتبعه منذ القدم حتى أصبح جزءاً من الثقافة المصرية المتأصلة أرتبط مع الزمن بالفهلوة والمهارة فى إيجاد الحلول الجديدة وغير التقليدية .
فقد أبهرت الحرف والصناعات اليدوية المصرية على مدار آلاف السنين محبى التراث والسياح ، وتحولت إلى مصدر لإغراء وجذب المستثمرين الأجانب ورواد الصناعات الصغيرة من كل بقاع العالم وخاصة الصين ، لما تتميز به طبيعة هذه الصناعات من عائدات اقتصادية لا محدودة ، فنقلوا عن فنوننا ومنتجاتنا من الصناعات اليدوية الإبداعية الشكل والمضمون الفنى فى التعبير عن التراث المصرى ، وتم إعادة انتاج مخرجات هذه الفنون والصناعات مصرية الروح بإستخدام تطبيقات تكنولوجيا الإنتاج الآلى الغزير ، وبيعت فى كل أنحاء العالم بما فيها مصر بهوامش ربحية عالية .
وفى ذات الوقت تظل المنتجات والحرف المصرية الإبداعية الأصلية تعانى من الكساد ومهددة بالإندثار فى ضوء معطيات جديدة متغيرة تشمل التنافسية الشديدة للأسواق العالمية والتطور السريع للتكنولوجيا وتغير أنماط الطلب العالمى ، على الرغم من إمتلاكنا كل الموارد والقدرات لإعادة إحياء الإقتصاد الإبداعى مصرى الهوية فى صورته الجديدة .
لذلك لا يعد التوجه المصري للاقتصاد الإبداعي مجرد رفاهية أو خياراً مطروحاً بين بدائل متعددة، بل اصبح ضرورة حتمية تستعيد معه مصر الجديدة مكانتها ودورها الريادى الإبداعى فى الخريطة العالمية ، وتستفيد مما يقدمه من فرص جديدة تزيد من قدرتها على التقدم بوثبات كبيرة وتحقيق معدلات نمو مرتفعة .
التحدى والحل ..
ويبقى التحدي القائم فى تحديد كيفية وشكل بناء هذا الاقتصاد الشامل والمستدام والابداعي في مواجهة مورد الزمن المحدود ، يبدأ حله من خلال رسم خارطة واقعية للإقتصاد الإبداعى المصرى ، تشمل وضع رؤية مستقبلية لشكل وتطور هذه الصناعات وخطوات تنميتها ، من خلال تقييم القيمة الحالية للصناعات الإبداعية بالنسبة للإقتصاد العام ، والإعتماد على استغلال الموارد الطبيعية والميزات التنافسية للمحافظات المصرية بما تشمله من حرف وصناعات إبداعية ثم إيجاد البدائل والحلول للمشكلات التى تواجهها
