صندوق النقد الدولي : مصر والدول العربية بدأوا تعزيز أطر ماليتهم العامة

في home-slider-left, اقتصاد

قالت كريستين لاغارد، مدير عام صندوق النقد الدولي أن العديد من البلدان العربية بدأت بالفعل تعزيز أطر ماليتها العامة وكثير منها يقوم بهذه المهمة بمساعدة الصندوق.. مصر تنشر حالياً بياناً بالمخاطر على المالية العامة مرفقاً بميزانيتها، وتصدر أثناء السنة تقييماً داخلياً للمخاطر التي تتعرض لها الميزانية. وتعمل دولة الإمارات أيضاً على إطلاق مشروع لإدارة مخاطر المالية العامة – بمساعدة الصندوق – وستصدر هذا العام اختبارها الأول لقياس تحمل الضغوط على المالية العامة.

وأضافت كريستين لاغارد في كلمتها بمؤتمر” وضع أسس الإدارة الرشيدة للمالية العامة في العالم العربي” المنعقد في دبي قامت المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة والسودان وقطر ولبنان جميعها بإنشاء وحدات للمالية العامة الكلية – وهي خطوة أولى مفيدة في تعزيز إطار المالية العامة.

واعتمدت الجزائر مؤخراً قانوناً جديداً للميزانية يركز بقوة على المدى المتوسط، كما استحدثت البحرين برنامجاً للمالية العامة يهدف إلى تحقيق التوازن على المدى المتوسط.

 

وتحقق موريتانيا والمغرب والأردن ولبنان تقدماً كبيراً في التخطيط للاستثمارات العامة وتنفيذها على المدى المتوسط.

وأشارت كريستين لاغارد إلى أنن سياسة المالية العامة تساهم بدور حيوي في خلق وتعزيز هذه الرؤية للنمو المستدام والاحتوائي – وخاصة على النحو الذي تلخصه “أهداف التنمية المستدامة”. ويرجع هذا إلى أننا نحتاج إلى حيز مالي للإنفاق على الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية والاستثمار العام – وكلها أولويات أساسية في هذه المنطقة.

وتناولت كريستين لاغارد ركيزتين أساسيتين من ركائز الإدارة الرشيدة للمالية العامة وهما :

1- الأطر القوية للمالية العامة.

2 – الحوكمة الرشيدة والشفافية.

وقالت “كريستين لاغارد” أن المنطقة لم تحقق بعد التعافي الكامل من الأزمة المالية العالمية وغيرها من الاضطرابات الاقتصادية الكبيرة التي سادت العقد الماضي.

فبين البلدان المستوردة للنفط، حقق النمو تحسناً، لكنه لا يزال دون مستويات ما قبل الأزمة. ولا تزال عجوزات المالية العامة كبيرة، كما ارتفع الدين العام بسرعة – من 64% من إجمالي الناتج المحلي في 2008 إلى 85% من إجمالي الناتج المحلي بعد ذلك بعشر سنوات. ويتجاوز الدين العام حالياً 90% من إجمالي الناتج المحلي في حوالي نصف هذه البلدان.

وقد حققت البلدان المصدرة للنفط تعافياً كاملاً من صدمة أسعار النفط الكبيرة التي واجهتها في 2014. ولا يزال النمو متواضعاً، لكن الآفاق تتسم بدرجة كبيرة من عدم اليقين – فيما يرجع جزئياً إلى ضرورة أن تتحول البلدان بسرعة إلى استخدام الطاقة المتجددة على مدار العقود القليلة القادمة، تماشياً مع اتفاقية باريس. ومع انخفاض الإيرادات، لا تنخفض عجوزات المالية العامة إلا ببطء – رغم الإصلاحات الكبيرة على جانبي الإنفاق والإيرادات، بما في ذلك تطبيق ضريبة القيمة المضافة والضرائب الانتقائية على السلع. وأدى ذلك إلى زيادة حادة في الدين العام – من 13% من إجمالي الناتج المحلي في 2013 إلى 33% في 2018.

وفي هذه الآونة، نشهد تراجعاً في التوسع العالمي وتصاعداً في المخاطر. وقد أصدرنا منذ بضعة أسابيع تنبؤاتنا الاقتصادية المعدلة. ونحن نرى الآن أن الاقتصاد العالمي سيحقق نمواً بمعدل 3.5% هذا العام، بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية عما توقعنا في أكتوبر الماضي. والمخاطر الآن أعلى، نظراً لتصاعد التوترات التجارية وزيادة ضيق الأوضاع المالية. ولا غرابة إذن في أن يكون لتراجُع البيئة العالمية تداعيات على المنطقة من خلال مجموعة من القنوات – التجارة وتحويلات العاملين والتدفقات الرأسمالية وأسعار السلع الأولية وظروف التمويل.

وخلاصة القول هي أن المسار الاقتصادي القادم للمنطقة محفوف بالتحديات، وهو ما يزيد من صعوبة المهمة التي تؤديها سياسة المالية العامة، ومن ثم زيادة أهمية بناء أسس قوية ترتكز عليها هذه السياسة.

1- أطر المالية العامة

وأول لبنة في هذا الأساس هي أطار المالية العامة السليم. وأعني بهذا مجموعة القوانين والترتيبات المؤسسية والإجراءات اللازمة لتحقيق أهداف سياسة المالية العامة لبلد ما. ويسمح مثل هذا الإطار للحكومات بالتخطيط لميزانياتها على المدى المتوسط بصورة تعكس أهدافاً واضحة ومتناسقة وذات مصداقية.

وهناك مجال لتحسين أطر المالية العامة في المنطقة. ومن مواطن الضعف في هذا الصدد الرؤية قصيرة المدى ونقص المصداقية.

وبالنسبة للرؤية قصيرة المدى، فنظراً لأن النمو الاحتوائي والمستدام هو هدف متوسط الأجل بطبيعته، تحتاج سياسة المالية العامة إلى تَوَجه متوسط الأجل. والتركيز على الأفق الآني يزيد من صعوبة تنفيذ الإصلاحات التي تتسم بالأهمية ولكنها أطول أجلاً في مجالات مثل معالجة ارتفاع فاتورة أجور القطاع العام، وتصميم نظم فعالة للحماية الاجتماعية، والتخلص من الدعم الضار على أسعار الوقود. وتعني الرؤية قصيرة المدى أن سياسة المالية العامة تضخِّم موجات الانتعاش والركود بدلاً من أن تروضها – مما يزيد من صعوبة تحقيق النمو المستدام والاحتوائي.

وهنا أنتقل إلى مصداقية المالية العامة. وهنا أشير إلى عوامل مثل مبالغ الإنفاق الكبيرة التي لا تدرج في الميزانية وضعف إدارة المخاطر. وفي مختلف أنحاء هذه المنطقة، يشيع توجيه موارد الثروة السيادية لتمويل المشروعات بشكل مباشر، دون المرور على عملية الموازنة العادية. وهناك مؤسسات مملوكة للدولة في بعض البلدان لديها مستويات عالية من الاقتراض – خارج الميزانية أيضاً. وليس من شأن معالجة هذه المخاطر التي تواجه المالية العامة أن تعزز مصداقية الميزانية وشفافيتها فقط، بل أن تساعد على كبح الفساد أيضاً. كذلك فإن مصداقية الميزانية تدعو لتحسين إدارة المخاطر، مع وضع ميزانية أكثر شمولاً تقوم على تنبؤات واقعية.

وهناك مجال لمزيد من التحسينات فربما تستطيع البلدان المصدرة للنفط احتذاء حذو بلدان أخرى غنية بالموارد، مثل شيلي والنرويج، في استخدام قواعد المالية العامة لحماية أولوياتها الأساسية، مثل الإنفاق الاجتماعي، من التأثر بتقلب أسعار السلع الأولية.

ولأطر المالية العامة القوية فوائد مهمة أخرى. فهي تشكل الأساس لإدارة الدين السليمة، كما أنها تسمح بتنسيق أفضل بين سياسة المالية العامة والسياسة النقدية، حتى يعمل ذراعا الإدارة الاقتصادية الكلية معاً، وليس بصورة متعارضة.

2- الحوكمة الرشيدة والشفافية

الركيزة الثانية التي تقوم عليها الإدارة الرشيدة للمالية العامة – وهي الحوكمة الرشيدة والشفافية. وفي هذا السياق، تشير الحوكمة إلى الأطر والممارسات المؤسسية في القطاع العام. وتشكل المؤسسات القوية عاملاً حيوياً لتحقيق الشرعية، وتعزيز فهم المواطنين لأهداف السياسات بصورة أوضح، وإعطائهم صوتاً أقوى للتعبير عن الرأي، وكسب مساندتهم لسياسة المالية العامة.

ومن ناحية أخرى، كما قال كثيرون منكم، إن المؤسسات الضعيفة تعني ركيزة ضعيفة للسياسات يمكن أن تتصدع وتتداعى – بسبب عدم كفاية الشرعية والمساءلة العامة. والأسوأ من ذلك أن هذه التصدعات يمكن أن تؤدي أيضاً إلى إتاحة شق يتسلل منه الفساد. وتعلمون جيداً أن هذا بمثابة سم اجتماعي – فهو يغذي التنافر والانفصال وخيبة الأمل، وخاصة بين الشباب. فكلمة “corruption” أو “فساد” بالإنجليزية مشتقة من جذر لاتيني يعني التعفن والتحلل – أو التفكك. وكلمة فساد باللغة العربية تشير إلى فكرة التعفن أو التفسخ أيضاً.

والفساد هو عامل الإرباك الأكبر لسياسة المالية العامة. فبدون ثقة في عدالة النظام الضريبي، تزداد صعوبة تعبئة الإيرادات اللازمة للإنفاق على الاحتياجات الضرورية في مجالات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية. وقد تنزع الحكومات إلى تفضيل المشروعات المظهرية الضخمة بدلاً من الاستثمار في الموارد البشرية والإمكانات الإنتاجية. أضف هذه النزعة وستكون أمام وصفة لسياسة المالية العامة غير القابلة للاستمرار مقرونة بحالة من التنافر الاجتماعي.

هذه قضية عالمية – تنطبق على البلدان الكبيرة والصغيرة، وعلى الاقتصادات المتقدمة وذات الدخل المنخفض، وعلى القطاعات العامة والخاصة. ومن هنا، لا غرابة في أن تخلص أبحاث الصندوق إلى أن الحوكمة الضعيفة والفساد يرتبطان بانخفاض كبير في النمو، والاستثمار، والاستثمار الأجنبي المباشر، والإيرادات الضريبية – ومستويات أعلى من عدم المساواة والإقصاء.

وعلى وجه التحديد، وجدنا أن تحسن الدرجة على مؤشرات الفساد والحوكمة بالانتقال من الربع الأدنى إلى المستوى الأوسط يرتبط بارتفاع قدره 1.5-2 نقطة مئوية في نسبة الاستثمار إلى إجمالي الناتج المحلي وبزيادة قدرها نصف نقطة مئوية أو أكثر في نمو نصيب الفرد السنوي من إجمالي الناتج المحلي. ۱ وسوف نجري مزيداً من التحليل في عددنا القادم من تقرير “الراصد المالي”، الذي نخصصه لمناقشة تكاليف الفساد على المالية العامة والدور الذي تؤديه مؤسسات المالية العامة.

فما الحل إذن لضعف الحوكمة والفساد؟ في ميدان المالية العامة، يتطلب الأمر زيادة شفافية المالية العامة – تسليط ضوء على كل جوانب الميزانية والحسابات العامة. ومن شأن هذا أن يقدم صورة أدق لمركز المالية العامة وآفاقها المتوقعة، والتكاليف والمزايا طويلة الأجل لأي تغييرات في السياسة القائمة، ومخاطر المالية العامة المحتملة التي قد تتسبب في انحراف المسار. وهناك مجال لتحسين هذا الجانب في هذه المنطقة.

ونحن نعلم أن هذا النوع من الإصلاحات يؤتي ثماره. لنأخذ مثلاً حالة جورجيا. فحتى عام 2003، كانت تعتبر من أكثر البلدان فساداً على مستوى العالم. ولكنها قامت بعد ذلك بإصلاح مؤسساتها وشن حملة على الفساد. وأدى ذلك، مع الإصلاح الضريبي، إلى حدوث تحسينات فورية. فالإيرادات الضريبية زادت من 12% من إجمالي الناتج المحلي في 2003 إلى 2.5% من إجمالي الناتج المحلي في 2008، حيث أصبح دافعو الضرائب على ثقة أكبر في عدالة النظام.

وجدير بالذكر أن الصندوق بدأ مؤخراً زيادة انخراطه مع البلدان الأعضاء في مجال الحوكمة والفساد. ففي العام الماضي، وضعنا إطاراً جديداً يقوم على المشاركة في جهود البلدان الأعضاء حول هذه القضايا بصورة أكثر منهجية ومساواة وفعالية وصراحة. وسوف نتواصل مع القادة في هذه المنطقة لمناقشة الطرق الممكنة للعمل معهم من أجل تنفيذ هذا الإطار.

ومع تحسين الحوكمة، يمكننا التخلص من حالة التفكك الناجمة عن الفساد ليحل محلها الاندماج في الاقتصاد المنتِج. يمكننا إحلال الإصلاح محل الفساد – إصلاحٌ يضع الأمور في نصابها لكي يتصالح الناس بعضهم مع بعض.

المواضيع المرتبطة

مطار العريش يستقبل الطائرة الرابعة والأخيرة من المساعدات العاجلة لغزة

أعلنت وزارة التموين والتجارة الداخلية، ممثلة في اللجنة العامة للمساعدات الأجنبية، عن وصول أربع طائرات للمساعدات وعلي متنها 5

أكمل القراءة …

الصحة: إغلاق 4 أماكن خاصة “جلدية وليزر” مخالفة بمدينة نصر

أعلنت وزارة الصحة والسكان، إغلاق 4 منشآت خاصة “جلدية وليزر” مخالفة، بمنطقة مدينة نصر، محافظة القاهرة. وأوضح الدكتور حسام

أكمل القراءة …

رئيس الوزراء يتابع الموقف التنفيذي لمنظومة النقل الذكي على الطرق السريعة “ITS”

تابع الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الموقف التنفيذي لمنظومة النقل الذكي على الطرق السريعة (ITS)، وذلك في اجتماع

أكمل القراءة …

قائمة الموبايل